0
في العام 2008م كشف المرصد اليمني لحقوق الإنسان – وهو منظمة حقوقية غير حكومية – كشف عن حالة رق مثبتة بشكل رسمي في إحدى محاكم محافظة حجة – تبعد عن العاصمة صنعاء 200كم تقريباً – إذ حصل المرصد على وثيقة بيع إنسان مقابل نصف مليون ريال - حوالي (2330) دولارا أمريكيا في مديرية كعيدنة بمحافظة حجة مسجلة بسجل البصائر برقم 98/1429هـ ، وجاء في وثيقة البيع المحررة من أمين المحل والمعمدة من المحكمة والشهود عليها بشاهدين عدلين ، أن أحد الأشخاص اشترى من شخص أخر (العبد المسمى) قناف بن (الجارية سيارة) هكذا أسمها – بيعاً صحيحاً شرعياً نافذاً ، بإيجاب وقبول من المشتري بماله ولنفسه بمبلغ خمسمائة ألف ريال يمني (2330$) النص من ذلك مائتان وخمسون ألف ريال يمني (1165$) . هذا نص وثيقة البيع والشراء ، وكانت صحيفة المصدر الأهلية أول من ألقى حجراً في مياه ظاهرة الرق والعبودية ، والتي أثارها أحد زملاء المهنة – عمر العمقي – في العام 2010م . والتقطت الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) – وهي منظمة غير حكومية – خيط القضية لتحيلها إلى حملة وطنية لاجتثاث هذه الآفة المتجذرة ، لكن ومنذ ثلاثة أعوام بعد إثارة الظاهرة ، انتهت الحملة وسكت الجميع تماماً وتناسوا الظاهرة تدريجيا لأن التفاعل مع القضية (الظاهرة) كان تفاعلاً لحظياً ، لكن منظمة حديثة النشأة وهي منظمة غير حكومية – مؤسسة وثاق للتوجه المدني – إعادة فتح القضية من جديد هذه المرة  وأصدرت تقريرا عن الرق والعبودية في اليمن في 5 ديسمبر 2012م في محافظتي حجة والحديدة ، وهو تقرير من واقع ميداني ، كشف التقرير عن وجود رق وعبودية ورصد (190) حالة رق منها (13) حالة في مديرية كعيدنة و(116) حالة استعباد منتشرة في مديرية خيران المحرق و(61) حالة استعباد في مديرية أسلم والمديريات الثلاث في محافظة حجة، وتبين خلال الرصد ومقابلة الضحايا أن حالات الاستعباد والرق موجودة بشكل واضح في المناطق التي استهدفها التقرير وهي على نوعين ، ضحايا يتم ممارسة كافة اشكال الاستعباد ضدهم وامتهان كرامتهم بما في ذلك بيعهم والاتجار بهم فهم مملوكون بشكل كامل ، وضحايا يتم إطلاقهم ظاهرياً بينما يمارس ضدهم كافة أنواع الاستعباد والامتهان لأدميتهم وإنسانيتهم عدى البيع والاتجار بهم ، وبالعودة إلى المستعبد – بفتح الباء – قناف بن الجارية سيارة فلم يكن يصدق نفسه أنه امتلك حريته بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الاستعباد وقال عند مقابلته في صنعاء أنه فرح للغاية، لكنه أبدى قلقاً من واقع جديد لم يألفه وهو حياة الحرية والكرامة – لكن الخوف كان بادياً عليه ماذا بعد ؟ بمعنى كيف سيتحصل على عمل ، ومن سيتكفل بذلك ، وللأسف بعد ثلاثة أعوام من تحريره من مستعبده عاد إليه ثانية يطلب هذه المرة بنفسه طوعاً  ان يعود الى العبودية من جديد , ولعل السبب بسيط للغاية هو غياب الدولة التي لم تستطع أن توفر له عمل يقتات منه وأسرته ، ما أضطره إلى العودة إلى حالة العبودية من جديد ومع ذات الشخص الذي باعه قبل ثلاثة أعوام .

حين كشف "العبد قناف" عن قضية استعباده وتحريره عن طريق القاضي هادي عساج رئيس محكمة حجة الابتدائية – فُصل القاضي لاحقاً من القضاء بعد أن حرر بصيرة  البيع – طلب النائب العام السابق عبدالله العلفي قناف إلى مكتبه ، قناف قال إن النائب العام سبله صك عتقه الذي كان بحوزته بدون أي مبرر ، وتركه يعيش في منزلة بين منزلتين ، بين منزلة العتق ومنزلة الرق ، وأجبره على العيش بعيداً عن نفوذ مشايخ القبيلة التي ينتمي إليها وكأنه "عبد آبق" فار من سلطة سيده.

تصرف النائب العام هذا فسره قانونيون بأنه ربما جاء محاولة للحفاظ على "سمعة الدولة" في حال انكشف أمرها بوجود عمليات استعباد وظاهرة رق في اليمن ، خاصة وأن الدستور والقانون اليمني يجرمان ويحرمان نظام الرق ويجرمان عمليات البيع والاتجار بالبشر ، ولذا اعتبر تصرف القاضي الذي اعتق (قناف) جريمة قانونية، وأُلغيت لذلك عملية شراء العبد قناف ليُجبر على البقاء على وضعه السباق، وفقاً للقانون اليمني ، وفي حين يعتبر حراً وفقاً للشريعة الإسلامية التي تُعتبر مرجعية للقضاء اليمني .

صحيح أن (العبد قناف) وأفراد أسرته (أمه سياره وأخوه فيصل ، وشقيقته شعيه وبقية إخوته) عرف المجتمع اليمني ومنظمات المجتمع اليمني عنهم , إلا أنهم مازالوا (مستعبَدين) بفتح الباء – من قبل مستعبِدين – بكسر الباء – وهم شيوخ القبائل وأصحاب رؤوس الأموال الذين ورثوا هؤلاء المستعبَدين – بفتح الباء – أباً عن جد مثلهم مثل بقية الموروثات المنقولة كالأموال والحيوانات والأرضي وغير ذلك ، لكن أحداً لم يقدم لهم شيئاً مثلهم مثل الحكومة والدولة التي لم تتعامل مع الظاهرة حتى هذه اللحظة , وكأن شيئاً من هذا الامتهان للكرامة الإنسانية لم يكن وبين هؤلاء المستعبدين – بفتح الباء – أطفال كثر مستعبدون مع أمهاتهم لم تعرف أقدامهم طريقاً الى مقاعد الدراسة , كما أن كثيراً منهم لا يعرفون من هم آبائهم ويسمون علي الاغلب بأسماء أمهاتهم .

نسيم حجوري .. عقدين من العبودية
دلف قبل أيام الى بداية عقده الثالث من العمر , بعد ان امضى كل عمره بين براثن الرق والعبودية , هو وكل افراد اسرته مستعبدون – بفتح الباء- عند شيخ يدعى عبدالمجيد الذي ورثه واسرته – امه واخوته- عن ابيه تماما مثلما يرث الأرضي والمواشي وكل المنقولات .

 في 6 ديسمبر التقيت "بالعبد نسيم مزيد سعد حجوري " (20عاما) من مديرية كعيدنة بمحافظة حجة – وهو أحد ضحايا الرق في منطقته وأسرته المكونة من أربعة إخوته وأخته ووالدته ، كلهم ما زالوا مستعبدين- بفتح الباء - باستثناء نسيم - الذي حرره عضو مجلس النواب (محمد عبدالإله القاضي) في نوفمبر 2012 م بمبلغ ثمانمائة ألف ريال حوالي (3725) دولاراً أمريكياً بوساطة وتفاوض طويل من قبل رئيس احدى منظمات المجتمع المدني , مع الشيخ الذي يستعبده  وقبل أيام توفي أحد إخوته بسبب لدغة أفعى قاتلة ، والده هرب قبل سنوات إلى المملكة العربية السعودية وتركهم مع أمهم ، وعاد مؤخراً إلى المنطقة لكنه لا يسكن معهم خشية من العودة إلى الاستعباد ثانيةً , هرب الاب من العبودية لكنه ترك اسرته لما خاف من الاستمرار فيه, انها العبودية المتوحشة والرق الفاجر.

نسيم وأسرته مستعبَدين – بفتح الباء – لشخص من كعيدنة بحجة ورثهم عن أبيه – كما اسلفت- بعد توزيع التركة وكان نسيم وأسرته جزء من هذه التركة التي آلت إلى أحد الأبناء المستعبِدين – بكسر الباء – ويدعى عبدالمجيد , تحرر نسيم قبل أيام قلائل , لكن اسرته الى اليوم مازالت ترزح تحت براثن العبودية المقيتة.

يقول نجيب السعدي رئيس مؤسسة وثاق للتوجه المدني – وهي منظمة غير حكومية-  تعمل في مجال الحقوق والحريات – إنه خاض مفاوضات طويلة مع عبدالمجيد ودفع بالوساطات لديه من أجل تحرير نسيم الذي كان متخوف كثيراً ، وبعد وساطة أصدقائه وأصحابه - يقول نجيب- وافق على تحرير نسيم شريطة إلا يظهر لوسائل الإعلام ، وعدم ذكر اسمه لأي جهة ، يضيف السعدي , قبلنا بالشروط ووقعنا أمام إشكالية قانونية وهي عند تحرير نسيم سنكون معرضون للمساءلة القانونية بتهمة الاشتراك في بيع وشراء إنسان ، لذلك - والكلام للسعدي - قام عبدالمجيد بتحرير وثيقة عتق لنسيم أمام شهود ووقع عليها على أساس أنه اعتقه لوجه الله ودفعنا له ثمانمائة ألف ريا ل - حوالي (3725) دولاراً أمريكياً بدون أي وثيقة استلام ، والآن نسيم يدرس في المعهد المهني بصنعاء (تكييف وتبريد) ويسكن في المعهد وتتكفل مؤسسة وثاق للتوجه المدني  بمصاريفه إذ لا يوجد جهة تكلفه غيرها , فيما اسرته بالكامل لازالت مستعبدة حتى هذه اللحظة.

ثمة مشكلة كبيرة يعاني منها من يتم تحريرهم ، إذ لا يجدون من يعولهم ويتكفل برعايتهم وتأهيلهم بعد التحرير كي يتم دمجهم بالمجتمع ، وهذه الجهة لم توجد بعد ، بعد غياب كامل للدولة والحكومة التي مازالت تتهرب من الاعتراف بالظاهرة كي لا تتحمل مسؤوليتها القانونية والإنسانية تجاه هؤلاء المستعبَدين - بفتح الباء - وثمة طرقاً ودية لتحرير العبيد - يضيف نجيب السعدي - وهي تطمين مالكي العبيد - المستعبِدين - بكسر الباء - وعدم ابتزازهم باسم القانون ، شريطة كفالة الضحايا بعد تحريرهم وهي مشكلة كبيرة لعدم توفر الإمكانيات المادية لتحريرهم وتأهيلهم بعد التحرير .
رفض نسيم حجوري رفضاً قاطعاً إعطاءنا صورة شخصية له ومنعنا من التقاط أي صورة ، خشية من أن تتسرب هذه الصور إلى جهات لا يرغب أن تصل إليها ، لا بل أن نشر صورته في وسائل الإعلام يعني التشهير به – حد قوله - خاصة وأن لا أحد يعرف عنه شيئاً سوى محيطه الصغير وأسرته ومستعبديه فقط وهذا هو عالمه .
حين تجلس معه لا يتكلم كثيراً ويشعر إن اختلاطه بأُناس غير الذين تعود عليهم طيلة 20 عاماً يعني أنه "آبق" بمعنى أنه خرج عن طاعة سيده وعن عالمه الصغير ، وأنه يشعر بالخوف من العودة والتعرض للضرب والإهانة  والتعذيب وغيرها من ضروب الإساءة والمعاملة القاسية واللاإنسانية  من مستعبده لأنه غادر منطقته دون إذن ، ولم يكن يدرك قبل إٍخباره إنه حر طليق – وأنه لن يعود ثانيةً إلى العبودية ، وهو اليوم في أحد المعاهد المهنية بالعاصمة صنعاء يتعلم حرفة يستطيع أن يقتات منها بعد إكمال دراسته ، لكن ثمة مشكلة مازالت  تؤرقه , إذ أن أمه وأربعة من إخوته – أحدهم توفى بسم أفعى قبل شهر تقريباً – مازالوا مستعبدين - بفتح الباء - في منطقة في كعيدنة في محافظة حجة ، ويرسل لهم جزء من المبلغ الذي يتحصل عليه من رئيس مؤسسة  وثاق التي كانت سبباً في تحريره من العبودية ، وهو اليوم يسكن في المعهد ويأكل ويشرب فيه , وهذه المعضلة التي ما زالت تؤرقه طلب عبرنا من منظمات المجتمع المدني وقبلهم الدولة تحرير أسرته  وطلب من مستعبدهم عدم المبالغة في طلب المال اذا وجد من سيحرر بقية اسرته من براثن العبودية , وكذا إيجاد فرص عمل له ولإخوته كي يتمكنوا من العيش بكرامة وان يتمتع بقية عمره وأسرته بالحرية التي حصل عليها قبل أيام قليلة ولم يتحصل عليها بقية أفراد أسرته حتى الان .

لا أحد يعرف من زملاء  نسيم في المعهد المهني أنه كان مستعبداً – بفتح الباء - وإن كانت بشرته السمراء تثير فضول بعض زملائه , إلا أنهم لم يعرفوا ولن يعرفوا - بالتأكيد - أنه كان مستعبداً - بفتح الباء - لأنه ببساطه هو لن يتحدث عن ذلك وبالتأكيد لن يتحدث أحد منا الذين التقينا به وسمعنا منه وتابعنا لحظة بلحظة عملية تحريره من العبودية .
  ثمة أشخاص من رجال المال والأعمال لديهم الرغبة في تحرير المستعبدين - بفتح الباء  - من قبضة  المستعبدين – بكسر الباء- لكن الأمر هنا يتطلب تواصل منظمات المجتمع المدني معهم واقناعهم بتحرير المستعبدين – دون ذكر أسمائهم أن كانوا لا يرغبون بذلك – لأن الدولة والحكومة غضت الطرف عنهم ـ بل أنها مازالت تكابر أو تنكر أو تنفي وجود مستعبدين - بفتح الباء - ومستعبدين - بكسر الباء – إلى اليوم .
عندما تم تحرير المستعبد – بفتح الباء- قناف بن الجارية سيارة في العام 2010م أنكرت وزيرة حقوق الإنسان في الحكومة السابقة – وجود عبيد وجواري ، وحين تأكد لها ذلك رفضت تشكيل لجنة من الوزارة ومنظمات المجتمع المدني لتقصي الحقائق والنزول الميداني إلى مديريات كعيدنة – أسلم – خيران المحرق – في محافظة حجة ومديرية الزهرة بمحافظة الحديدة – رفضت الوزارة هذا المقترح وقالت أنها ستشكل لجنة من الوزارة وبعض الوزارات المعنية ، لكن هذا لم يتم ، ما دفع بمؤسسة وثاق للتوجه المدني – على الرغم من أنها حديثة النشأة – الى تشكيل فريق تقصي الحقائق وجمع المعلومات عن العبيد في هذه المديريات واكتشف الفريق وجود أكثر من (386) مستعبداً – بفتح الباء – موجودون في هذه المديريات وما هو ما عرَّى الحكومة والجهات الرسمية ووجه لها صفعة قوية وأظهرهم كاذبون أمام المجتمع اليمني الذي يستغفلونه دائماً في كثير من القضايا ، هذه على رأسها .
واليوم لا تنكر وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور وجود مستعبَدين ومستعبِدين لكنها تتذرع بعدم وجود الإمكانيات المادية وهو عذر لا يعفيها ووزارتها والحكومة من العمل على تحرير العبيد من مستعبديهم لأنها وصمة عار في جبين الحكومة اليمنية وفي جبين المجتمع اليمني أن ظل ساكتاً على هذه الظاهرة (الجريمة) أياماً أخرى .

إرسال تعليق

 
Top